أنت الحب لكل عام

أنت الحب لكل عام

بدت لي ليلتي الهادئة الساكنة , غادة حسناء فاتنة , وكأنها حورية ترتدي فستان مخملي , مرصع بالنجوم , وازدانت تلك النجوم ببدر يتمايل ببهائه بين حناياها , وأخذت تلك الصورة البهية الرائعة تؤجج مشاعري التي استحالت إلى بركان لا يهمد , وحممه تتقاذف وتتناثر لتجتاح العالم بأسره , ولمعت في ذهني فكرة ربما تقودني إلى الجنون , ولكنني في تلك اللحظة تخليت عن عقلي ,
واقتصرت على شعلة عواطفي الملتهبة , وتركت تلك المشاعر تبحر بي إلى مرسى خباياها , في هذه الليلة الحالمة , انتابني شعور الغريق الذي يبحث عن قشة , كي يمسك بها علها توصله إلى بر الأمان , وبدأت أناجي ليلتي الغيداء , وأعترف لها بمكنونات نفسي , وبقصة حبي السامي النقي الطاهر , وتركت العنان للساني ليشدو ترنيمة لحن الهوى البريء العذري , الذي يداعب أحاسيسي , ويتغلغل في خلايا جسدي , ويتسلل إلى أوردتي ليسري بدمي , وطاف في خاطري طيف حبي العذب , لحورية استطاعت أن تحرك مشاعري , وتعزف على أوتار قلبي , وددت لو أن معشوقتي التي أناجيها تسمع أنين عشقي , كم وددت لو أنها تلامس مشاعري الجياشة ,
كم وددت أن تغوص في أعماق قلبي , كي تسمع نبضاته التي تنبض باسمها , لقد هام الفؤاد في مراتع أنوثتها التي تعبق بأريج الورد الجوري والنرجس والكادي , لم تغف عيناي عن صورة محياها الملائكي , أينما وقع نظري أراها , في فنجان قهوتي ترتسم لي حورية بارعة الحسن ,
تتراءى لي من خلال البخار الذي يتصاعد منه , في كل زاوية من زوايا غرفتي الكئيبة أرى وميضها , في كل زهرة ياسمين تتدلى على نافذتي كنت أعبق عبيرها , في كل حرف تخطه أناملي يذوب سحرها , كما يذوب السكر في كوب الشاي , كما يذوب العزف في حنين الناي , أراها تنحدر بقاربها مع كل قطرة من دمع أحداقي لتغوص في بحر تلك الدموع وترسو معها على ميناء نحري , في كل بسمة ترتسم على وجنتي أراها تتمايل بقوامها الرشيق الفاتن على إيقاع نغم تلك البسمة , في كل نفس يتسلل إلى رئتي أشعر أنها تتسرب معه لتقطن بين أضلاعي , مما جعلني أقع فريسة الدهشة و الحيرة , فقد ذبت فيها وذابت فيّ لدرجة لم أعد أعرف من أنا , هل أنا هي , أم هي أنا ؟؟ هل أنا الذي أكتب وأشدو عذب الكلمات , أم هي ؟؟ هل أنا الذي أعيش في داخل روحها السابحة في غمار الهيام , أم هي ؟؟ , لقد توحدت روحانا معا , فكانت مزيجا يجمعني أنا و هي , لقد عانقنا القمر معا , وتنقلنا من نجمة إلى أخرى , وسكنا جنة من جنان الهوى ,
وقطع لنا التاريخ وعدا أنه سيدون قصة عشقنا في سفر العاشقين , وأنه سيخلد صفوة نقاء هيامنا فتتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل منذ هذه اللحظة حتى نهاية الكون , لقد كان الحب تلميذا في مدرسة هوانا , يرافقنا فيتعلم منا أسمى معانيه , فينقلها إلى شعراء العشق والغرام , لكنهم وعلى براعة ريشتهم في الوصف , وتمرسهم في تلك المعاني فقد عجزوا عن وصف حبنا الشفاف , ولم تنقذهم ثروتهم الأدبية في مقاربة عزف أوتارنا , فألقوا ريشاتهم على أعتابنا , وانضموا للحب تلاميذا في مدرستنا , وأعلنوا عزمهم على المثابرة والجد في الدراسة , حتى نمنحهم شهادة يستحقون بها لقب شعراء الهوى.كانت متيمتي تخطو خطوتها الأولى نحو عامها السادس عشر ,
وقد قلصت رغما عني سنوات عمري الثمانية والعشرين , لتجعلها مثل عمرها ستة عشر برعما نديا نضرا , لقد نجحت في إعادة بسمة الحب الأولى إلى قلبي , لقد كان عيد ميلاد زنبقتي السادسة عشر , عيد ميلادي أنا , عندما رأيتها لأول مرة , أو ربما عندما سمعت هديل صوتها
عندما همست في أذني همسة ود عبر سماعة الهاتف , أو ربما عندما انهمرت مقلتاها سيلا من الدموع على حضني الدافئ , فشكلت بحيرة نمت على ضفافها أزهار النرجس والقرنفل والبنفسج , ماذا أقول لها في يوم عيدها ؟؟و أي تهنئة أزفها إليها , وأخذت أستنجد بالكلمات التي غدرت بي وخانتني وأنا رب مدرسة العشق وأستاذها , كيف لا و هي كل شيء في حياتي ,
هي النور الذي ينير دربي القاتم , هي شعاع الأمل الذي أعيش في ظله , هي نجمة ليلي وشمس نهاري , هي ثمرة صيفي ودفء شتائي , هي زخات خريفي وزهو ربيعي , هي ملهمة حروفي و إشراق كتاباتي , هي نزف قلمي على أشلاء صفحاتي , أحسست أن كل كلمات الدنيا لا تعبر عما يختلج في نفسي , فقصتنا أسطورة من أساطير العشق , يجود بها الزمان مرة واحدة ,
لنتشرف أنا وهي بحمل سفارة لحن الهوى الشجي الشادي , في كل بلاد دنيا الغرام , ودون أن أدري , ودون أن يستأذنني قلمي , خطّ لها : ( أنت الحب لكل عام ) .